يذكر سكان بغداد وخاصة الطلبة العرب حكاية "أبوطبر"، ذلك القاتل الذي روعنا جميعا ونحن طلبة في بدايات غربتنا بعيدا عن الأهل، كان هاجس "أبوطبر" يمر علينا ليسلبنا أحلى ساعات العمر وأجمل لذة يمكن أن يحصل عليها طالب مغترب وهو يضع رأسه بعد عناء يوم دراسي شاق على مخدته. كان "أبوطبر" وقصص الدم والقتل والطبر التي تهوي على جثث الضحايا كنزا غنيا لحكايات الصباح في مطعم الكلية، حكاية من هنا وحكاية من هناك تشكل فرصة لاختلاق وولادة كتاب سيناريو. يضاف إلى ذلك تلك التغطية الصحفية القصصية والمثيرة التي كنا نتابعها بشغف وخوف معا من خلال الصحف ومحطات الإذاعة، وعندما كنا نتحلق أمام تلفزيون مقر الاتحاد الوطني لطلبة عمان أو طلبة البحرين أو فلسطين، ونخرج من المقر الساعة العاشرة عائدين إلى المنزل وفي القلب رهبة وفي المفاصل خوف. خوف من أن يكون "أبوطبر" يترصد لنا في زاوية مظلمة، وربما يهوي علينا "بطبره" ويحول أجسادنا النحيلة إلى قطع من اللحم تشبه تلك القطع التي تفننت فيها الزوجات بتقطيع أجساد أزواجهن بالسواطير في مصر وغيرها. بعد عدة أعوام - وبالنسبة لي- أدركت أن قصة "أبوطبر" البغدادية المشهورة كانت واحدة من بنات أفكار جهاز الاستخبارات، كان الغرض منها تحويل توجهات الرأي العام لأمر ما يدور في أروقة النظام السياسي، وتعرف هذه الحالة عند الإعلاميين وأساتذة دراسة الأزمات بما يعرف بـ"الإدارة بالأزمة"- Management by Crisis"، وهو مصطلح يشير إلى "ابتكار وإحداث فعل يهدف إلى توقف أو انقطاع نشاط من الأنشطة أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط أو الوضع لصالح مدبره". لقد انطلت على الجميع تقريبا في النصف الأول من سبعينيات القرن المنصرم كذبة "أبوطبر"، ولزمت النساء بيوتهن، والتزمنا كطلاب بدوريات حراسة على المنزل الذي نقيم فيه تحسبا لرؤية "أبوطبر" حاملا قطعا من جثة أو ملطخا فناء منزل بخريطة من دم يكتب بها رسالة تهديد. سرت الإشاعة بيننا بسرعة البرق وتخاطفتنا مشاعر الخوف، ولا أعرف على وجه التحديد هل تحققت الأهداف الحقيقية من الأجندة الخفية لأجهزة الاستخبارات العراقية أم لا؟.
داهمتني ذكريات بغدادية لساعات الخوف والقلق، شاكراً للإخوة في شرطة الشارقة وفي الصحافة المحلية على نبش الذاكرة وإعادة تشغيل شريط الذكريات. أقول داهمتني وربما أرقتني مجدداً قصة "أبوطبر" وأنا أتابع قصة المريض النفسي والمختل العقلي والمهووس الجنسي، وربما السفاح الغامض والقاتل الخفي، وزرو سيرلانكا الخارق!. وأتابع من جانب آخر القصور الكبير الذي منيت به شرطة الشارقة في إدارة أزمة متواضعة، وكيف أن فكرة الإعلام الأمني كانت مغيبة من اللحظة الأولى لانطلاق الحدث.
ونعود لتفكيك مفاصل الأزمة وهي أزمة حقيقة واجهتها شرطة الشارقة، وستواجه تبعاتها في الأيام القادمة، ذلك أن خدش صورة رجل الأمن بهذه الحدة ستكون له آثار سالبة مؤثرة على مسيرة الأمن والانضباط في الشارع برمته.
تبدأ الحكاية بتسرب بعض الأخبار عن تعرض إعلامية لاعتداء بآلة حادة، وترقد الإعلامية في المستشفى وفق بعض الروايات، وإنكار مصدر أمني موثوق. هذه الحادثة أو لنقل وفق الروايات الحسنة النوايا، قيام المصادر الأمنية في الشارقة بكتمان الأمر حتى لا تحدث بلبلة في الشارع! ولم يدرك الإخوة في شرطة الشارقة أنهم بهذا التصرف يشابهون من يقف أمام كومة قش جافة في نهار صيفي، ويرمي بعقب سيجاره غير مدرك ومقدر للعواقب، فكومة قش كتمان الخبر كانت الفرصة لإطلاق مارد الإشاعة من قمقمه انتشرت الإشاعة، والتي تعرف بأنها: "ترويج لخبر مختلق لا أساس له من الصحة أو تعمد المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومات كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح، أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع أو الحقيقة وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي". إن محاولة تفسير وتفنيد تعريف الأستاذ الدكتور عاطف عدلي العبد للإشاعة يجعلنا بدون قصد أو بقصد نشير بأصابع الاتهام إلى ضعف واضح في الجهاز الشرطي لتبني منهج علمي لكبح جماح الإشاعة أو لنقل قتلها في مهدها، وتخليص الناس من مغبة إطلاق إشاعات مغرضة، وتناست شرطة الشارقة أنها تتعامل مع جمهور مختلف لا تنطلي عليه الخدعة، ولديه من وسائل وتقنيات نقل ونشر وتوزيع الأخبار ما يمكنه من التواصل السريع، والقادر على إحداث بلبلة في توجهات الرأي العام، إذ تطايرت كالشرر الرسائل النصية القصيرة. وتم تبادل نشرات أخبار سرية وسريعة باستخدام الهاتف النقال. وعملت المخيلة الراجفة والمرتعبة والمريضة على تحويل الخبر إلى أخبار. وتحويل المجرم إلى بطل ونكاية في الأمر تحدثت "المسجات" عن قاتل يجوب مناطق الشارقة يطعن سيدة هنا ويقتل سيدة هناك ويسيل دم أخرى. غدا سفاح الشارقة كما ابتدعت الذاكرة الجمعية هذا الاسم له حديث الناس في المجالس، ووردت مسجات النصائح من الإخوة محذرة الآخرين بعدم خروج النساء ليلا حتى ل